فاعلية موجهات المعنى الإثباتي في خطبة الوداع

تهدفُ الدراسة الحالية إلى الكشف عن مدى التّأثير الإيجابي, وتحقيق الأهداف المنشودة لمُوَجِّهَاتِ المعنى الإثباتي, عندما حدّدت مسارات المعنى بعد إدخال مُوَجِّهَات معينة في نصّ الخطبة, فالمعنى في أصله موجود ومثبت بطريقة تجعل استقراره لا يتلاءم مع مقاصد منشئ النصّ, فهو يريد إنهاض النّصّ ليتفاعل معه بطريقة تجعله مطابقا للواقع الذي يريد الوصول إليه, أو حتى يقترب منه, فيحاول إدخال عناصر لغوية ظاهرة في التّركيب تعمل بشكل مباشر على الإحاطة بالمعنى, وتحديده, وتوجيه مساره الوجهة المطلوبة التي لا يحيد عنها, أو يتفاعل مع غيرها فيصبح هجينا, أي: يجعله أكثر استقلالية مع أنّ الأمر لا يقتصر على العناصر اللغوية الظاهرة, إذ قد توجد موجهات للمعنى تكون مضمرة وإن كنا لم نقف عليها؛  لتركيزنا على الموجهات العينية الفاعلة في التوجيه المباشر, وهذه الموجهات المضمرة تكتشف عندما نجد سياق النصّ قد توجّه الوجهة المطلوبة دون رؤية موجهات عينية في النصّ.
إنّ هذا الإثبات للمعنى قد أتى لأجل منع التفاعل السالب! إذ قد يتعرّض التَّركيب اللغوي أحيانا إلى الذوبان السلبي؛ بفعل التفاعل مع العناصر المجاورة, الأمر الّذي يجعله غير ذي قيمة عالية, أو قوة مؤثرة, فيأتي الإثبات لمنع التفاعل السالب, وجعلها في حالة استقرار طبيعية, وإعلاء شأنها, فالإثبات يقدّم برهانا مرشدا على القضية بإحكام وبراعة. وقد اخترنا نصًّا هو خطبة حجّ الوداع للرسول محمد e رأينا فيها موجهات المعنى نحو الإثبات واضحة جلية, ربّما هذا الأمر له علاقة كونها الخطبة الأخيرة للرسول e   في حجّته اليتيمة, وهي من الخطب التي أكّدت جملة من الوصايا والتحذيرات, فهي ذات تأثير محكم تدعو إلى الفكر النير والصراط القويم, وإذا كانت الخطبة هذه سماتها فمن المنطقي أن نجد فيها دورا لموجهات تجعل المعنى يسير على وفق الإثبات الذي يوافق الواقع, أو يقترب منه, ومن ثمّ تكون النتائج المترتبة عليه الالتزام بالأوامر والابتعاد عن النواهي إن كان المخاطَب أهلا لهذا الخطاب. مع تنبيهنا أنّنا حاولنا أن نقارب مفهوم الموجهات - المعروف في حقل اللسانيات- بالوصف الذي يتيح لنا اطلاقها على عملنا, وإنّ إضافة مصطلح الفاعلية إليها؛ لبيان أثرها  في تحقيق درجات إنجاز عالية؛ عندما وجّهت المعنى المثبت داخل نصّ الخطبة إلى جهة إثباتية أخرى لتتحقق في الواقع.